ترجمة الفيزياء فى اللغة العربية هى علم الطبيعة، أى أنها ببساطة العلم الذى يتعلق بفهم كل الظواهر المحيطة بنا، المحسوسة والمرئية والتى يمكن قياسها وإجراء التجارب المؤكدة أو المكذبة لها أو المعدلة لفهمها، على عكس الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة وهى أشياء لا يمكن قياسها علمياً أو إجراء التجارب عليها، هذا معناه أن من لم يفهم الفيزياء لن يفهم الطبيعة أو الكون ولن يتقدم فى أى علم آخر حتى علم الهندسة الذى نتخيل أنه بعيد عن الفيزياء، هو فى الحقيقة جنين تربى فى رحم الفيزياء وتغذى من حبلها السرى، فالهندسة المعمارية مثلاً ليست سوى فرع من علوم الطبيعة يعكف على دراسة القوى والعزوم فى البنايات، ولكى تفهم الفيزياء وتحبها لابد من فهم وعشق الرياضيات، ولذلك كتب أفلاطون فى مدخل مدرسته «من يجهل الرياضيات لا يدخل من هذا الباب»!، ونحن لن ندخل من باب الحضارة إلا بفهم وحب الفيزياء والرياضيات. وصلتنى رسائل كثيرة تعليقاً على ما كتبته تحت عنوان «لعنة الفيزياء»، يهمنى أن أنشر منها رسالتين للتأكيد على ما ذكرته من قبل. تقول الرسالة الأولى: «أنا طالب بكلية الطب السنة الرابعة - قصر العينى، أجبرتنى التقاليد العفنة على دراسة الطب بدلا من أن أدرس ما أتميز فيه، صدمت بنظام التدريس فى الكلية مما جعلنى أرسب سنتين متتاليتين. لقد درست بمجهودى الذاتى الفيزياء والرياضيات وتعمقت فى دراسة فيزياء الجسيمات وأدرك معنى هذا العلم جيداً، وكذلك درست علوم الحاسب والبرمجة، وكل هذا بمجهودى الذاتى، المشكلة تكمن فى نظام التعليم الذى لا يسمح لى بالدراسة فى كلية أخرى دون ترك كلية الطب حتى أتلافى غضب أهلى من تركى للكلية، ولا أعلم ماذا أفعل؟!.. أمتلك من العلم الكثير ولكننى فكرت فى التوقف عن التعلم، لأننى أجد أننى لا أستطيع أن أفيد العالم بهذه الموهبة وهذا العلم». الرسالة الثانية من الأستاذ إدوارد عزيز زكى الذى يقول: «لى تجربة رائعة جداً مع مادة الفيزياء فى الثانوية العامة وسوف ألخصها فى الآتى: أنا كنت طالباً ذكياً وكان يعيبنى قلة المذاكرة، ولكن فى الثانوية كنت أذاكر بكثرة، وفى بعض الأيام وصلت ساعات المذاكرة إلى ١٣ ساعة يوميا، ولكن حدثت ظروف فى منتصف العام وبقيت لمدة ثلاثة أشهر لا أفتح أى كتاب نهائياً ولكنى كنت مواظباً على درس الفيزياء (لحبى الشديد للمادة والمعلم) مع الاستاذ العظيم جداً أحمد عادل (مدرس بشبرا الثانوية وصاحب كتاب المعلم)، وكان هذا الشخص يدرس لنا الفيزياء بشرح عملى على أشياء طبيعية تحدث فى الحياة يوميا ونحن لا نلاحظها، ودائما ما كان يُرجع جميع ما يحدث حولنا إلى علم الفيزياء، و لا أنسى أبدا درس التوتر السطحى للسوائل عندما أجرى تجربة وضع إبرة خياطة معدنية على سطح المياه فى الكوب وكنا فى حالة ذهول من المفاجأة وكيف تستقر الإبرة على سطح المياه، وجعلنا (أربعة طلاب) نجرى التجربة بأنفسنا حتى (بالعربى كدا) نشرب الدرس، وكان هذا أسلوبه المتبع فى جميع الدروس، وكان بالنسبة لنا أسهل امتحان هو الفيزياء، ما أحدثك عنه مر عليه أكثر من واحد وعشرين عام حتى الآن ولكننى أتذكره كأنه بالأمس، فياليت كل معلمى مصر مثل هذا المعلم ربما كانت مصر الآن من أفضل دول العالم، أدعوك للتأكيد على هذا المنطلق نحو مستقبل أفضل (المعلم المعلم المعلم) لابد أن يكون المعلم شخصاً غير عادى ولديه الملكة والموهبة فى تعليم الآخرين وليس كل إنسان يصلح أن يكون معلما، وهذه هى مأساة مصر الحقيقية، ربما لو كان الجميع على علم كاف، لكنا الآن فى وضع آخر غير ما نحن فيه».